**العنصرية ضد المقيمين- زكاة الانكسارات أم فرصة للتنمية؟**

المؤلف: عبداللطيف الضويحي08.07.2025
**العنصرية ضد المقيمين- زكاة الانكسارات أم فرصة للتنمية؟**

لطالما ظننت، عن جهل أو سذاجة، أن جذور العنصرية والعنصريين تنمو من تربة الأحقاد والكراهية التي تبثها وسائل الإعلام المتدفقة، والتي تستغل مواسم الشحن والتحريض والتضليل والدعاية. أو أنها مجرد نغمات زائفة يعزفها جوق المفاخرة في نشوة التعصب الطائفي والحمى القبلية والعرقية، أو حتى نتيجة للتشوهات التي خلفها التعليم المؤدلج والقضاء والتنشئة المتحيزة. لم أكن أدرك أن العنصرية قد تكون أيضًا ضريبة يدفعها المحطمون نفسيًا ومعنويًا، أو المتضررون اقتصاديًا، تطفو على السطح كلما أثارت صدمة شرارة الإحباط واليأس والفشل جمرتها الخبيثة.

إنه لمن الأمور المستهجنة والمرفوضة تلك الأصداء العنصرية البغيضة التي يطلقها بعض الأشخاص ويتغنون بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد المقيمين والعاملين في المملكة. هذه التصرفات لا تعكس قيمنا ولا أخلاقنا كمجتمع.

العديد من الدول في شتى أنحاء العالم تفرض رسومًا وضرائب على مواطنيها والمقيمين على أراضيها والعاملين فيها، وذلك وفقًا لما تقتضيه الظروف والمتطلبات الاقتصادية. ومن الجهل بمكان أن يتم استغلال الرسوم التي أقرتها الحكومة على المقيمين في السنوات القادمة، وتحويلها إلى أداة لتفريغ الغضب والانتقام من المقيمين، وكأنهم المسؤولون عن كل المشاكل.

أنا شخصيًا أؤيد مبدأ فرض الرسوم واتخاذ أي إجراء يهدف إلى الحد من التشوهات الاقتصادية، وخاصةً تلك المتعلقة باقتصادات الفساد، وإعادة الإنسان الطبيعي إلى دائرة الاقتصاد، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الفقيرة. كما أدعم أي خطوة من شأنها تحقيق العدالة وتصحيح النظرة المشوهة للعلاقات بين المواطنين والمقيمين، بحيث يكون الجميع جزءًا من نسيج اقتصادي واجتماعي وتنموي واحد. ومع ذلك، لا يزال لدي بعض الشكوك حول واقعية الأرقام والمبالغ التي ستفرض على شكل رسوم وضرائب، ومدى تأثيرها السلبي المباشر على الاقتصاد والتنمية والمجتمع. هل يستطيع جميع المقيمين، على سبيل المثال، تحمل أعباء الرسوم الشهرية والسنوية، ورسوم الموارد البشرية، ورخص العمل والإقامة، بالإضافة إلى التأمينات والالتزامات الأخرى؟ هذا سؤال مشروع يستحق الدراسة المتأنية.

كلنا نتفق على أهمية الرسوم والضرائب، ولكن يجب أن يكون هناك مقابل للمقيمين. فالرسوم تفرض مقابل خدمات ومنافع متبادلة. لذا، آمل أن تتزامن هذه الرسوم مع منح المقيمين وعائلاتهم فرصًا استثمارية للانخراط التام في الدورة الاقتصادية والحياتية الشاملة للبلاد. يجب أن يعاملوا معاملة المواطنين، تمامًا كما أشارت إليه التوجهات المبكرة نحو إصدار البطاقة الخضراء للمقيمين. من الأهمية بمكان ألا نخسر هؤلاء المقيمين الذين قدموا الكثير للمملكة. يجب أن ندرك أن بعضهم ولد وترعرع هنا، وأصبحوا جزءًا لا يتجزأ من مجتمعنا. لقد قدموا لنا زهرة شبابهم وعملوا معنا بإخلاص وتفانٍ. يجب أن نوفر لهم الفرص للاستثمار بعقولهم وإبداعاتهم وأفكارهم وأموالهم وفنونهم وآدابهم، وأن نسمح لهم بالمشاركة في تحويل المملكة إلى قوة صناعية عالمية ووضعها على خريطة الثورة الصناعية الرابعة في جميع المجالات.

علينا أن ننظر إلى هذه التحولات على أنها فرص سانحة وليست مجرد وسيلة لعلاج التشوهات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية. إنها فرصة ذهبية لمشاركة القادرين والراغبين من إخواننا المقيمين في بناء اقتصاداتنا ومجتمعاتنا جنبًا إلى جنب، كتفًا بكتف، وهذا ما يجب أن يستوعبه ويتعامل به كل من السعودي وغير السعودي.

من الضروري للغاية تشريع القوانين ووضع الأنظمة التي تصون حقوق المقيمين وتجرم العنصرية بجميع أشكالها. يجب أن نضمن حقوقهم في مجتمع يسوده العدل والإنصاف. فالعدالة هي البيئة الأمثل للإنتاج والإبداع والعطاء واحترام الأنظمة والحفاظ على القيم الإنسانية النبيلة.

لا أريد الخوض في النوايا الخفية، ولكنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها البعض بالتحريض بدافع الدين تارة، وباسم الوطنية والأخلاق والاقتصاد تارة أخرى. يجب أن نتذكر ونتعلم من الدروس القاسية التي عصفت بمجتمعاتنا العربية بسبب "نجوم" وسائل التواصل الاجتماعي الذين أشعلوا نيران الفتنة الطائفية وزلازل التعصب المذهبي وسحر القبلية وشعوذة المناطقية وهوس العرقيات والإثنيات. لقد أمطرنا دعاة الفتنة بكل أشكال الشذوذ والانحرافات عن القيم والأخلاق، واستغلوا ذلك لتدمير ما تم بناؤه على مدى عقود وسنوات عبر مؤسسات المجتمع. لقد نجحوا في نزع الثقة بين المواطنين، وبين المواطن ونفسه، وبين المواطن والمقيم.

إن سحرة الفتنة ومشعلوا الحرائق يعودون اليوم لقرع طبول الفتنة من جديد، باحثين عن فريسة جديدة لإشباع شهوة النجومية الافتراضية. إنهم يستثمرون الآن في حقول الألغام، ويسعون إلى دق إسفين الخلاف بين المواطنين السعوديين وإخوانهم المقيمين الذين يعملون في المملكة، والذين قدموا الكثير وساهموا في نهضتها.

إن الذين يثيرون نار الفتنة بين "السعودي والمقيم" بعنصريتهم المقيتة ينسون أو يتناسون أن المقيمين لم يأتوا إلى المملكة على متن أطباق طائرة. بل إن بعضهم قدم للمملكة أكثر بكثير مما قدمه بعض السعوديين. لقد أتى المقيمون عبر المنافذ الرسمية للمملكة لسد احتياجات المواطن والمؤسسات وفقًا للقوانين والأنظمة المرعية. نحن نستفيد من خدماتهم تمامًا مثلما يستفيدون هم من فرص العمل المتاحة. يجب أن نشكرهم ونقدر جهودهم بدلًا من أن نهاجمهم ونتهمهم بالباطل. فلهم حقوق وعليهم واجبات، وليس من حق أحد أن يطعن في ذممهم أو يشوه سمعتهم لمجرد الاعتقاد بأنهم المستفيدون الوحيدون. يجب علينا إصدار تشريعات صارمة تجرم العنصرية وتلجم العنصريين، حتى لا نتفاجأ في يوم من الأيام بتأسيس جمعية لحقوق العنصريين!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة